قصة قصيرة , فتمَعّن ..
في الماضي .. كنتُ طفلة , ولستُ كأي طفلة !
نشأتُ بين الكتب .. ترعرعت في الصفحات .
أحببتُ القراءة حباً جما , أما الكتابة فلها قصة عشق أخرى !
وربما يعود هذا لوالداي الغاليين ! فكانا دائماً مايحرصون على الذهاب بنا إلى المكتبة , فقط للقراءة ..
في كل نهاية أسبوع وفي فترة الظهيرة جميع عائلتي تقلّب صفحات الكتب وتبحث بينها في المكتبة , وحتى هذا اليوم نحن نفعل ذلك ..
فازداد ونمى حبي للقراءة , حتى أتقنت الكتابة .
فصرت سجينة الأوراق و أقلامها !
في الماضي / .. كنتُ كلما وضعتُ حبر قلمي على أوراقي و أخبرتها بما وراء الصمت , فإنني سريعاً ما أخبئها بين أوراقي الأخرى ! وأظلم حروفي الحزينة وأناملي الرقيقة فلا أدعها تعلن عن محتواها , أكتمها حد الإختناق , أتستر عليها وكأنها اقترفت جريمة شنعاء !
كل ذلك , فقط لكي لا يفهم أحدٌ ما أخفيه بداخلي ! .. كي لا يعرف أحدٌ بما أفكر .. كي لا يقرأني أحدهم .. كي أحافظ على شخصي الكتوم ! ...
ولكن , بالأمس .. صرخ الصمت ! صرخ الصبر ! صرخ قلبي ! تناثرت الحروف في كل مكان ! عج المكان الذي كنتُ فيه بالضجيج والصخب ! ..
صاحت الأوراق فيني / كفى ! توقفي ! .. كفاكِ هماً .. كفاكِ حزناً , امتلأ جسدي دموعاً , فتوقفي أرجوكِ عن البكاء ! امتلأ بياضي بحبرك النازف ! فتوقفي عن الكتابة بقلمٍ حزين !
صاح الصبر فيني / مللت الصبر ! فلم يعد للصبر صبراً !! فانفجري غضباً على من أغضبك , انفجري ضحكاً على من أسعدك , انفجري بكاءاً على من أحزنك وجرحك ! , ولكن سألتك بالله ألا تصبري ولا تكتمي ...
فبكيتُ , ثم ضحكتُ حتى بكيتُ ثانية !
وقلت لهم : لا تراعوا .. لا تراعوا من بكائي و أنيني .. لا تأخذوا بحزني , فرُبّ جرحٍ تاب هماً و دعاني لجرحٍ جديد ...
ألا ترون ؟ أنا أرقص ! أنا أُغني ! أنا أضحك ! أنا ألعب كالأطفال وروحي كروحِ طفلٍ برئْ , ولكن .. ليس معكم .
فأنتم للحزن والهم والغم والجرح ... فقط !
عندما أصمت فهذا يدل على حزني العميق .. عندما أكتب فهذا يعود لحاجتي الماسة إلى الراحة .. عندما أصبر , فاصبر لأجلي أيها الصبر !
توقفوا عن التذمر أرجوكم ! فأنا بحاجتكم ..
و اليوم / ..
ودعتُ الغموض , و أشتاقني الصمت , و وقعَت الأوراق والأقلام في بَحرٍ من الحب معي ! .. أما الصبْر , فحافظت عليه ولم أفرط به
انتشرت حروفي ولم أعد أظلمها .. وضعت أوراقي أمام الملأ ولم أعد أخبئها .. عرضتُ مشاعري على الجميع ليشعروا هم الآخرين بها , ولكنني حرصت على ألا تهان و ألا يُداس على شموخي وعزتي ..
أما غداً / ..
فلا أعلم مايخفيه الغد ولا اطّلعت على القدر .. ولا أعرف من ينتظرني بشوق , ليخبرني بمدى جمال وروعة حروفي .. وبالحجم الهائل من الأحاسيس والمشاعر الصادقة في كلماتي ...
ولكنني سأطمح , وأحلم , و أتخيل .. فأبني و أرمم , وأُشيد , و أزرع ... فأصل , و أحصد , وأحصل على ماسعيت لأجله .