Total Pageviews

Monday, July 30, 2012

وطنٌ كبير لا يسعُه سواي !

في طفولتي ، مراهقتي .. كان قلب والدي العزيز بمثابة وطن عشتُ وترعرتُ به ، ولكنْ عندما بلغتُ سنّ الرُشد ، أخبرني والدي بأنه علي البحث عن وطن جديد لأعيشَ به .. وطن يخصني أنا وحدي ، يخصني فقط ..

أردتُ الإنتماء لـ وطن !
رغبتُ الشعورَ بالراحة ، الطمأنينة ، الحب ، السلام ..
فبحثتُ في قلوبهِم لعلّي أجد بداخل قلبِ شخصٍ ما وطناً كبيراً جداً ﻻ يسعُ شخصاً غيري .. لعلي أجد وطناً يحميني و يفتخر بكوني مليكته ..


~
قابلتُ أحدَهم ورأيتُ بداخلِه وطن كبير ! إلا أنه أيضاً كان مستوطناً من قبل فتيات بارعات الجمال .. ولأنني لستُ بذلك الجمال الذي يُديرُ جيمع الرؤوس فحبذت ألا أرى غيري وقد تقدم علي بخطوة ! فرحلتُ عن ذلك الوطن..


~
رأيتُ شخصاً وسيماً جداً فتمنيتُ النشأة في وطنه وتخيلتُ بأنني سأكون كالأميراتِ هناك ، ولكنني صُدمت حقاً عندما رأيتُ حروباً و زﻻزل وتشققات عميقة ! كان ذلك الوطن يظمّ عدداً بالغاً من الأشخاص الذين تحاربوا وتخاصموا وتقاتلوا بشناعة ، فقط ليحتل كلٌ منهم مكاناً صغيراً في وطنه ! ، فقررت سريعاً بأنني سأهربُ من هذه الحروب بين البشر .
ولكوني شخصية تحب الهدوء والشعور بالوحدة وحب التملك لذا لن أشعر هنا بما أردت الشعور به في وطني ! .


~
وجدت قلباً آخر يحمل وطناً صغيراً , ففرحت لكونه صغيراً ولن يحتله غيري .. -رغم أنني تمنيتُ وطناً كبيراً جداً- ..
إلا أن ذلك الوطن كان ضعيفاً جداً لدرجة أنه ليس بقادر على أن يحمي امرأة مثلي ! لم يكن قادراً أبداً على حبي أو على تقبلي ، فابتعدت ، ليقيني بأنني أستحق وطناً أكبر وأقوى ..


~
صدفت في طريقي وطناً خالِ من السكان ، ولكن رائحته كانت نتنه ! وشوارعه و زواقيقه قذرة مليئة بالأوساخ .. طرقه موبؤة ، والأمراض منتشرة في كل مكان .. فخرجت منه وأنا أكاد أتقيأ !

هل حقاً هناك أوطان مليئة بالقذارة والأمراض بهذا القدر !

~
وفي مكانٍ بعيد .. دخلتُ وطناً .. كان الشخص الذي يحمل ذلك الوطن في قلبه ،  رائعاً حقاً ! ولكني تركته سريعاً كعادتي ، فهو صاخب ومليئ بالأشخاص الرائعين أيضاً .. كان الناس بداخله متحابون ومتقاربون . لم يكن هناك فرق بين أي شخصٍ منهم بل كانوا سواء ... ولأنني أردت أن أكون مختلفة ومميزة , وأن يكون لي عالميّ الخاص , و وطني الذي يحمل على عاتقه فتاة واحدة ولحب تملكي لذلك الوطن فتركته ..

~
وأخيراً وبعد بحثٍ دام طويلاً .. تعرّفت إلى شخصٍ هادئ وبدت عليه آمارات الحزن , والوحدة تملأ حياته ، فحاولتُ التسللَ إلى قلبه لأرى وطناً مهجوراً تماماً ! لم أجد سكاناً .. لم أجد مأوى .. لم أجد ضوءاً !! شعرت بالحزن لحال هذا الوطن ! فبدأَت رحلتي ..
ساعدتُ في ترميمه ، واجتهدتُ في سقايته ، وثابرتُ في زراعة بذور حبي بداخل عروقه وشرايينه .. ملأته راحة و أوسعته مساحة .. وبعد جهدٍ طويل ، استطعت استوطان قلبه والخلود به .

 وأخيراً دبت الحياة في عروق وطنه .. وأخيراً أثمرت زهور تربته حباً وأماناً ... ولكن سريعاً ماشعرت بالغربة ، الوحدة ، الملل .. فعُدتُ لنفسي خائبة .. مكسورة ، محطمة ، منبوذة !..


بعد رحلة طويلة ..

تعبت من البحث ! هل حقاً قلوب الناس ﻻ تسعني ؟ أمامن وطن كما أردته وتخيلته أنا ؟ أما من وطنٍ في قلبٍ كوطنٍ في قلبِ والدي ؟ هل البحث عن وطن متعب ، ومكلف وشاق هكذا !؟..

قررتُ أخيراً بأنني سأتوقف عن البحث ، سأعود طفلة تائهة تبحث عن وطن .. سأعود ابنه محتاجة إلى وطن .. سأعود غريبة تريد لم شتات نفسها بالرجوع إلي الوطن .. سأعود لقلب والدي الحنون , والدي ذو القلب الكبير ، سأعود وكلي شوق لقلب أبي ، سأعود وأنا  ممتلئة بالحنين لذلك القلب ، لذلك الوطن ..

1 comment: